أخبار عاجلة

حياكة المنسوجات

راجت حياكة المنسوجات الحريرية في منطقة الشوف(14) القريبة من بيروت وصيدا أيام الأمير فخر الدين المعني الثاني في القرن السابع عشر، واشتهرت بإنتاج الشرانق والحرير الأصفر. وبعد مقتل الأمير المذكور أرهق الأتراك العثمانيون الأهالي بالضرائب، فتراجع إنتاج الشرانق والحرير.
ثم نمت زراعة التوت ونشط الإنتاج في القرن التاسع عشر إلى أن قضي عليه نهائياً في الحرب العالمية الأولى.
لكن عمال النسيج في البلدة، استمروا بشراء الخيوط الحريرية والقطنية الأوروبية المستورد، ما بين الحربين العالميتين، ولم يقلَ عدد الأنوال العربية عن الستين، فغزا النسيج البرجاوي الحريري والقطني المتنوع السوق اللبنانية، ومن قبلُ أسواق سورية وفلسطين، محمولاً على البغال أو بحراً بالمراكب الشراعية، من مينائي النبي يونس في قرية الجية القريبة، والسعديات قرب قرية الدامور على بعد بضعة كيلومترات.
ثم أصاب الحرفة الكساد والتقهقر، إلى أن اختفت، بتوقف آخر عامل نسيج عن العمل في السبعينات من هذا القرن، فأدرك الأهالي النهاية المحزنة التي آلت إليها حرفة النسيج الفولكلووية العريقة.
ولا تزال المداخن المطفأة المنتصبة فوق الكراخين (معامل حل الشرانق) المغلقة في بلدة الدامور، على ساحل البحر أو في قرى الشوف، شهوداً على صناعة الحرير، عصب الحياة الاقتصادية في لبنان والبلدة آجالاً طوالاً..
 
وغابت مع تلك الحرفة خياطة الملابس وأعمال الإبرة والتطريز وصناعة الصابون ومعاصر الزيت والخروب ومطاحن الحبوب وأعمال الفلاحة والزراعة والحصاد والبيادر والحطابة والمشاحر وأتون الكلس والناعورة والجاروشة والنورج العتيد..
ولم نعد نشاهد النسوة العائدات من البراري والحقول وعلى رؤوسهن أكداس البلان المدمجة، وبات خبز “الصاج” والتنور في عالم الأساطير… أين صناعة الحلويات والمعجنات البيتية العربية ومربيات الفاكهة الشهية؟ بل أين مواسم الكشك وتجفيف البقول وسلق القمح؟ لقد غابت أسراب الحمام والطائر الدوري ولطالما كانت تتسابق لالتقاط حبات القمح من على السطوح؟.
أين المواقد الترابية المستعرة نارها على مصاطب البيوت، والسهرات الدافئة في الليالي الحالكات الباردة؟ لقد غابت حكايات الجدات للأحفاد… بل أين خوابي الزيت تتصدر زوايا “بيت المونة” وقطرميز الزيتون وبرنية القورما – اللحم المقلي بالدهن؟ لقد غاب خم الدجاج ولم نعد نسمع “أوركسترا” الديكة وهي تطلق صياحها في الفجر أن “حي على الفلاح”. ولا نباح الكلاب الأليفة الوفية وهي ترد على عواء الثعالب وبنات آوى السارية لاقتناص أفراخ الدجاج من أخمامها…
مسكينة مصابيح الكاز والقناديل وسراج الزيت ووابور “البريموس”… لقد باتت من الماضي!… أما جرن الكبة البائس الصامت فهو لا يزال منسياً على قارعة الطريق!…
ألا تشتاق إلى مشاهد القرميد الأحمر يعلو سقوف البيوت الآسرة؟… أما المحدلة فقد باتت في عالم الذكريات…
لن يعود العرزال، حيث كانت تنسجُ حوله مغامرات العشق البريء!.
ولم نعد نشاهد قطعان الماشية العائدة من المراعي، وقد استراحت منجيرة الراعي مع همسات الشمس الخافتة عند المغيب!. ولا عصا الناطور التي كانت فرائص الصبية الشاردة في الحقول ترتعد حين تراها فتطلق سيقانها للريح…
ولا تسل عن حرفة كوي الطرابيش وخلع الأضراس والسمكرة وتبييض الأواني النحاسية!.
أين الشباب المتصابي يتسارعون إلى المقاعد الأمامية على أرصفة المقاهي يرمقون، بنظرات العشق الحانية، الصبايا الواردة بجرارهن على طريق العين؟
أين مئات الطرابيش الحمراء والمناديل البيضاء على هامات الرجال والنساء وهم يشيعون فقيداً عزيزاً إلى مثواه الأخير يرددون بخشوع مهيب “لا اله إلا إله محمد رسول الله.. صلى الله عليه وسلم”؟
أين حلقات الدبكة في الأعياد والأعراس على السطوح وفي الساحات؟ بل أين جهاز العروس محمولاً على هامات الصبايا الراقصات على إيقاع الأغنيات والزغاريد في الدروب الضيقة إلى بيت العريس العتيد).
أين صلاة الاستسقاء والابتهال إلى رب السماء كي ينزل المطر؟ وبعدها يحلو السهر ويطيب في ضوء القمر؟.
بل أين “ناموسية” القطن والحرير والطفل المقمط في السرير وأمه الحانية ترضعه لبن الطهارة والبراءة والنماء!؟؟.
وهل تعود الأفراح والليالي الملاح ويحتفى بالصبيان في حفل الختان؟.
لقد غابت كلها وغابت معها معالمُ الحياة الريفية الرحبة وذكرياتها الزاخرة بالمروءة والعطاء!..

شاهد أيضاً

تسلُّم وتسليم بين رئيس البلدية المنتخب المهندس ماجد ترو، والرئيس السابق العميد حسن سعد

جرى اليوم الأربعاء الواقع فيه 21 أيار 2025، في مبنى بلدية برجا، حفل تسلُّم وتسليم …